الخميس، 12 أبريل 2018

"تجميل غير مرخّص"... أطباء مقتنعون بعدم فعالية حقن "الميزوثيرابي" يوهمون زبائنهم بالعكس

كثيرون ممن يعانون من مشكلة تساقط الشعر وظهور بوادر الصلع يلجأون إلى شبكة الإنترنت بحثاً عن علاجات، فيقعون على إعلانات لعلاج توقف الانحسار التدريجي للشعر باستخدام حقن الميزوثيرابي.
بجانب المنشورات الترويجية، قلة يقعون على منشورات تروي تجارب تحذّر من استخدام الميزوثيرابي، مثل تدوينة يروي كاتبها أن صديقه أجرى 15 جلسة علاجية بالميزوثيرابي دون أن يحقق أية فائدة، رغم أنه دفع مبلغاً كبيراً من المال.
نُشرت هذه التدوينة على موقع استشاري الأمراض الجلدية الدكتور عماد صبحي الذي أخبرنا أنه التقى عشرات ممَّن خضعوا للحقن بالميزوثيرابي بدون أن يؤثر هذا العلاج إيجاباً على حالتهم، واصفاً إيّاه بـ"الوهم" الذي تروّج له عيادات التجميل في مصر ويستخدمه أطباء بدون أساس بحثي يثبت فاعليته، بهدف جني الأموال من الراغبين في التجميل، خاصة أن تكلفة جلسة الميزوثيرابي في العيادات مرتفعة.
لم تثبت التجارب السريرية التي أجريت على استخدام حقن الميزوثيرابي فاعليتها في تفتيت الدهون وعلاج التجاعيد وتساقط الشعر والصلع، ما أدى إلى عدم موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدامها.
وانتهجت وزارة الصحة المصرية نفس النهج بعدم ترخيصها للعلاج بالميزوثيرابي، لكن العديد من عيادات التجميل في مصر تستخدمه، بمخالفة قانون المنشآت الصحية غير الحكومية ولائحة آداب مهنة الطب.

نتائج متضاربة

يرجع اكتشاف الميزوثيرابي إلى الطبيب الفرنسي ميشيل بيستور الذي بدأ في استخدامه عام 1952. والميزوثيرابي، بحسب الجمعية الفرنسية للميزوثيرابي هو عبارة عن مزيج تدخل في تركيبته كميات صغيرة من المواد مثل: موسعات الأوعية الدموية ومضادات الالتهابات غير الستيرويدية ومضادات الأورام، والكالسيتونين، والفيتامينات.
يُعبّأ هذا الخليط في حقن رفيعة تتراوح سعتها بين أربعة إلى 13 مليمتراً، وتحقن فوق الجلد أو في الطبقة التي تقع أسفله مباشرة، لأغراض في الغالب تجميلية، مثل: تفتيت الدهون، وإنبات الشعر، وعلاج المشاكل الجلدية، مثل تجاعيد البشرة وآثار حب الشباب.
وهذا الخليط هو ما يجعل الشكوك تحوم حول فاعلية الميزوثيرابي. فالمواد المستخدمة، وفقاً لنائبة رئيس الجمعية الدولية للجراحة التجميلية للدكتورة لينا تريانا، حصلت على اعتمادات من إدارة الغذاء والدواء وما شابهها من مؤسسات الترخيص باعتبارها ستُستخدم بمفردها، ولكنها لم تُختبر علمياً لمعرفة فاعليتها عند خلطها بمواد أخرى.
وأضافت أن هذه المواد اسُتخدمت في الميزوثيرابي لعلاج حالات معيّنة بدون دليل علمي على فاعليتها في علاج هذه الحالات.
عدا ما قالته تريانا، تبيّن الأبحاث العلمية المنشورة في المجلات الطبية حول الميزوثيرابي، أن هذا العلاج وصل إلى مرحلة الاختبارات السريرية على البشر، وهي مرحلة حاسمة من مراحل اعتماد أي علاج جديد.
فقبل اعتماد أي علاج جديد، يمر العقار بثلاث مراحل: مرحلة الاختبار ما قبل السريري التي تجرى على البكتيريا والفيروسات والفئران؛ وبحال اجتياز المرحلة الأولى، يخضع العلاج للاختبارات السريرية على الإنسان، ويبدأ تطبيق الاختبار على مجموعة لا تتجاوز 100 شخص، ثم على حوالي 300 شخص، ثم على مجموعة يصل عددها إلى نحو خمسة آلاف شخص؛ وبحال اجتياز المرحلة الثانية، يعرض العلاج على هيئات الاعتماد لترخيصه.
وجاءت نتائج الاختبارات السريرية التي أجريت على الميزوثيرابي متضاربة إلى حد كبير، ولم تصل إلى القطع بفاعليته.
من ضمن هذه الأبحاث، بحث أجراه أطباء بقسم جراحة التجميل بالمركز الطبي لجامعة كوريا، في كوريا الجنوبية، عام 2008، ونُشر تحت عنوان "فاعلية الميزوثيرابي في نحت الجسد" على موقع المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية.
أخضع الباحثون 20 امرأة للعلاج السريري بالميزوثيرابي المكون من مركب من مواد أمينوفيلِّين وليدوكايين، وأسفر الاختبار بعد 12 أسبوعاً من الحقن عن نتيجة مفادها أنه لا يوجد أي اختلاف بارز يدلل على فاعلية الميزوثيرابي في "نحت الجسم".
ونشرت "مجلة التجميل والعلاج بالليزر" نتائج دراسة أجراها باحثان من كلية الطب بجامعة وارسو البولندية عام 2017، بعنوان "فاعلية حقن الميزوثيرابي في الأدمة لتقليص السيلوليت – نتائج الرصد بالطرق التقليدية وبالموجات فوق الصوتية عالية التردد".
وبعد تطبيق الاختبار السريري للعلاج بالميزوثيرابي على 21 امرأة، توصل الباحثان إلى أن الميزوثيرابي فعال في خفض السيلوليت في الأدمة (الطبقة الواقعة أسفل البشرة)، بينما لا يوجد تغيير بارز في سماكة الأدمة، أو نتائج تدلل على خفض الوزن.
كما جاء في النتائج أن هذا العلاج آمن وبسيط. وأوصت الدراسة بإجراء مزيد من البحث على الميزوثيرابي لمحدودية الدراسات المنشورة بشأنه.
تضارب نتائج الدراسات يحول دون اجتياز الميزوثيرابي الخطوتين الثانية والثالثة من مرحلة الاختبار السريري، بحسب رئيس جمعية دمياط للأمراض الجلدية الدكتور عبد الفتاح والي، لأن "اعتماد أي علاج بديل يسبقه في الخطوة الثانية من مراحل الاختبار السريري مقارنة بينه وبين علاج موجود بالفعل، للتأكد من تفوّق العلاج الجديد عليه، وهو ما فشل فيه الميزوثيرابي لأن النتائج ليست في صالحه عند مقارنته، على سبيل المثال، بالعلاج بحقن البلازما في علاج تساقط الشعر".
وأضاف والي أن تجارب المرحلة الثالثة من مراحل الاختبار السريري أثبتت استجابة بعض المتعالجين معه، وعدم استجابة البعض الآخر، ما يقلل من نطاق فاعليته بين البشر.
وتباينت أيضاً نتائج اختبار مدى أمان استخدام الميزوثيرابي. فبينما يؤكد البحث السابق ذكره أنه علاج "آمن وبسيط"، خرج تقرير من الجمعية الأمريكية للجراحة التجميلية عام 2007 يشير إلى أن التقارير الطبية الموثوق فيها أظهرت "المضاعفات التي يحدثها هذا العلاج مثل: العدوى البكتيرية والورم الحبيبي (وهو التهاب مزمن في الأنسجة)، وموت الأنسجة، خصوصاً عندما يتم الحقن على يد غير متخصصين".
واتفقت مع ما جاء في هذا التقرير نتائج بحث أجراه أربعة باحثون من قسم الأمراض الجلدية في كلية الطب بجامعة القاهرة ونُشر عام 2017 بعنوان "فقدان الشعر بمواضع حقن الميزوثيرابي لعلاج الثعلبة" في "مجلة جراحة الجلد التجميلية".
وأظهرت نتائج هذا البحث أن العلاج بالميزوثيرابي يخلف جروحاً ملتهبة بمواضع الحقن بالرأس.
تفاوت نتائج الاختبارات الممهدة لحصول الميزوثيرابي على اعتماد من هيئات الترخيص، قلل من موثوقيته، ما دفع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى عدم الموافقة عليه.
وأصدرت الإدارة عام 2010 تحذيراً إلى ست شركات طبية تتاجر بالميزوثيرابي، جاء فيه أن المزيج المركب من مادتي فسفاتيديل كولين والديوكسي كولايت الذي تروّج له هذه الشركات باعتباره مركباً يستخدم لتفتيت الدهون في الخلية، غير معتمد من الإدارة لعدم بيان فاعليته. وتجددت هذه التحذيرات الموجهة إلى الشركات الطبية العام الماضي.

رفض على الورق

ما ينطبق على موقف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية من الميزوثيرابي ينطبق على موقف وزارة الصحة المصرية منه. فقد أكد رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص الدكتور علي محروس أن العلاج بالميزوثيرابي غير مرخص للاستخدام في مصر.
لكن عدم ترخيص وزارة الصحة لهذا العلاج لم يمنع العيادات من استخدامه والترويج له علناً على موقع التواصل الاجتماعي وعلى مواقع الأطباء.


والغريب أن بعض الأطباء الذين يروّجون للميزوثيرابي ويعلنون عن توفره في عيادتهم كعلاج تجميلي، أجروا بحثاً عليه خلص إلى افتقاره للفاعلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق