في الحقيقة لا أعلم من أين أبدأ؛ فلو أردنا أن نعدد المواد الضارة التي تحتويها السجائر وتأثير كل منها على الأوعية الدموية سنحتاج إلى دار نشر تتبنى نشر سلسلة الكتب التي سنؤلفها في هذا المجال، لكني سأحاول أن أعطيك إجابة موجزة قدر الإمكان.
على الرغم من كثرة المواد الضارة للجهاز الدوري التي تحتويها السجائر، إلا أن أغلب الآثار الضارة تسببهما مادتان رئيسيتان ، وهما النيكوتين وأول أكسيد الكربون، بالإضافة للقطران الذي يترسب على بطانة الأوعية الدموية من الداخل مسببًا ضيق الشرايين وتقليل مرونتها، فضلًا عن كونه أحد مسببات السرطان البارزة[1]، لكن هذا خارج مجال إجابتنا اليوم.
أولًا: النيكوتين
النيكوتين هو المادة الإدمانية الموجودة في أغلب وسائل التدخين التقليدية (كالسجائر والشيشة… إلخ)، وحتى في الطرق البديلة كالسجائر الإلكترونية والـVape، وتأثير النيكوتين على الأوعية الدموية يتمثل في:
- للنيكوتين تأثير قابض للأوعية الدموية: وذلك لأن النيكوتين يؤدي إلى تقليل إفراز أكسيد النيتريك (Nitric Oxide) من جدران الأوعية الدموية، والذي يعمل على توسيع الشرايين، بالإضافة لتحفيزه إفراز الأدرينالين -القابض للأوعية الدموية- من قشرة الغدة الكظرية؛ ونتيجة لذلك يرتفع ضغط الدم داخل الشرايين.
- التأثير السلبي على أَيض الكوليستيرول: يعمل النيكوتين على تكسير جزيئات الليبيدات الكبيرة (High Density Lipoprotein)، مع زيادة مستوى الليبيدات منخفضة الكثافة (LDL) في الدم، والتي تترسب في جدران الأوعية الدموية وتلعب دورًا كبيرًا في عملية تصلب الشرايين.
- تصلب الشرايين وتلف جدرانها: يسبب النيكوتين تلف بطانة الأوعية الدموية نتيجة لارتباطه بزيادة نِسَب الشقائق (Free Radicals) التي تعمل على إتلاف هذه الخلايا، بالإضافة لتسببه في تفاعلات مناعية تؤدي في النهاية إلى التهاب جدران الشرايين وتيبسها (ولا تنسَ أنه يزيد مستوى الدهون الضارة في الدم كما ذكرنا آنفًا).
- التأثير على وظيفة القلب: يعمل النيكوتين على تحفيز الجهاز العصبي السمبثاوي وتحفيز إفراز الأدرينالين؛ واللذان يؤديان بدورهما إلى تسارع دقات القلب وزيادة ضغط الدم، ويترتب على ذلك زيادة احتياج عضلة القلب للأكسجين؛ وبالتالي احتياجها لكميات أكبر من الدم، لكن هل تتذكر أن النيكوتين أيضًا يسبب تصلب الشرايين وضيقها؟ الأمر أشبه بمن يمتطي حصانًا ويحمله على الجري بسرعة كبيرة، وفي نفس الوقت يضع كيسًا بلاستيكيًا على رأسه حتى لا يستطيع التنفس!
- زيادة معدل تكون الجلطات: يؤدي النيكوتين إلى زيادة قابلية الصفائح الدموية للتلاصق، مع زيادة مستويات الفيبرينوجين (Fibrinogen) في دم المدخنين عمومًا، وهو بروتين هام لعملية تجلط الدم؛ إذ يتحول إلى فيبرين (Fibrin) في أثناء عملية التجلط، ويعمل على إلصاق خلايا الدم ببعضها كالغراء… والأمر لا يقف عند ذلك الحد أيضًا؛ فتلف جدران الأوعية الدموية الذي يسببه النيكوتين يؤدي إلى زيادة معدل حدوث الجلطات من الأساس!
ثانيًا: أول أكسيد الكربون
أول أكسيد الكربون أحد نواتج احتراق المواد العضوية المكونة للسجائر (كالورق وألياف التبغ وخلافه)، ويرتبط بالهيموجلوبين الموجود في كرات الدم الحمراء، والمسؤول عن حمل الأكسجين لخلايا الجسم المختلفة مما يقلل من كفاءة ارتباط الهيموجلوبين بالأكسجين؛ وبالتالي يقلل من وصول الأكسجين إلى خلايا الجسم، لكن الأمر ليس بهذه البساطة؛ فاستنشاقه يؤدي إلى العديد من المضاعفات الخطيرة، على سبيل المثال:
- تقليل وصول الأكسجين إلى عضلة القلب: انتهينا في القِسم السابق من الإجابة عند زيادة احتياج القلب للأكسجين نتيجة تسارع معدل دقاته الذي يسببه النيكوتين، مع صعوبة وصول ما يكفي من الدم بسبب ضيق الشرايين… حسنًا، إذا كنتَ سعيد الحظ ولم تَضِق شرايينك بالشكل الذي يؤثر على وصول كمية الدم التي تحتاجها عضلة القلب، فيؤسفني إخبارك أن حتى الدم الذي يصل إلى القلب لا يحمل كمية الأكسجين الكافية؛ مما يسبب آلام الصدر عند بذل مجهود ويؤدي إلى شعف عضلة القلب عمومًا. 😶
- إتلاف جدران الأوعية الدموية: يؤدي نقص الأكسجين إلى الإسراع من تلف الخلايا المبطنة للأوعية الدموية؛ ويترتب على ذلك زيادة احتمالية الإصابة بتصلب الشرايين وزيادة معدل حدوث الجلطات.
في النهاية أود أن أؤكد على أن هذا قليل من كثير فيما يتعلق بأضرار التدخين عمومًا؛ لذا إن كنتَ مدخنًا ووصلت إليك هذه الإجابة، فأتنمى أن يكون قرأتَ دافعًا لك للإقلاع عن التدخين في أقرب وقت قبل أن تُجبَر على ذلك في المستقبل نتيجة الأضرار التي يسببها لك التدخين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق